إبادة جماعية

المرحلة الثانية من الإبادة الجماعیة الأنفال (22 آذار – 1 نيسان 1988)

المرحلة الثانية من الإبادة الجماعية الأنفال

استهدفت المرحلة الثانية من الإبادة الجماعية الأنفال منطقة قره‌داغ خلال المدة من 22 آذار إلى 1 نيسان 1988. ووفقًا لوثائق النظام البعثي وتقاريره الرسمية، فإن العمليتين الأولى والثانية من أنفال حظيتا بأوسع تغطية إعلامية آنذاك وقد صُوّرتا كـ«انتصارات كبرى». نشرت صحيفة الثورة (العدد 6522، في 3 نيسان 1988) مقالًا بعنوان:

«في عملية أنفال الثانية، تم تطهير منطقة قره‌داغ من الخونة.»
وفي خبر آخر جاء:
«جماهير أربيل ودهوك والسليمانية ترسل تحياتها لأبطال أنفال.»

وكانت هذه الإعلانات في الصحف صادرة عن عملاء صدام (الـجاش).

بعد ثلاثة أيام فقط من انتهاء المرحلة الأولى، شنّ الجيش العراقي هجومًا واسعًا جديدًا بقيادة الفريق الركن إياد خليل زكي (قائد الفيلق الخامس) والفريق الركن كامل ساجت (قائد الفيلق الثاني)، وبإشراف مباشر من الفريق الأول الركن عدنان خيرالله (وزير الدفاع) وعلي حسن المجيد (رئيس المكتب الشمالي لحزب البعث). كما شارك الفريق الركن نزار عبد الكريم الخزرجي (نائب رئيس الأركان للعمليات) والفريق الركن حسين رشيد التكريتي (مدير العمليات) والعميد الركن زهير يونس علي (قائد الفرقة 50) والعميد الركن سعد شمس الدين (قائد قوات الدفاع الوطني في السليمانية وقره‌داغ).

كانت هذه عملية عسكرية ضخمة أوسع من سابقتها، استهدفت سلاسل جبال قوبي قره‌داغ. وبحلول ذلك الوقت كان النظام قد نفّذ بالفعل حملتين إبادة جماعية ضد الأكراد الفيليين والبارزانيين، إلى جانب مئات الجرائم الأخرى من تهجير قسري وتدمير القرى وإنشاء مناطق «محرّمة» وبثّ الرعب بين المدنيين.

جمعت الاستخبارات العراقية معلومات تفصيلية عن قواعد البيشمركة في قره‌داغ، مدّعيةً أنها تقدّم دعمًا لوجستيًا للجيش الإيراني. كانت المنطقة قد أُفرغت من سكانها في 1987 بعد نقلهم إلى مجمعي نصر وزەڕايان، ولم يبقَ فيها سوى الجيش و«الجحوش»، حتى استعادتها البيشمركة لاحقًا.

في شباط 1988، نفّذت ثماني طائرات عراقية هجومًا كيميائيًا على قريتي سەرتەكەي وبەلەجوار. قال الشهود العيان:

«ألقت الطائرات عدة قنابل — ربما ثماني أو تسع — وأصدرت صفيرًا حادًا قبل الانفجار، ثم انتشر غاز خفيف. مَن لامسه ظهرت على جلده فقاعات، والحيوانات التي رعت العشب الملوّث نفقت فورًا. لم تقع خسائر بشرية لأن السكان كانوا في الملاجئ.»

وورد في تقارير أجهزة الأمن أنّ «مجموعة الخونة (حسك) تسلّمت نحو 1500 أسطوانة غاز من الجيش الإيراني»، وهي مزاعم استُخدمت لاحقًا كـ ذريعة لتبرير التصعيد الكيميائي والعسكري في قره‌داغ أثناء حملة أنفال.

قصف قرية سێوسێنان بالأسلحة الكيميائية

تقع قرية سێوسێنان في السفوح الشرقية لمنطقة قره‌داغ، وكانت من أكثر المناطق تضررًا من القصف الكيميائي في 22 آذار 1988 ضمن المرحلة الثانية من الإبادة الجماعية لأنفال.

يقول أحد شهود العيان:

«في مساء 22 آذار، بعد صلاة المغرب، كنت واقفًا أمام منزلي ورأيت ألسنة اللهب تتساقط على القرية من جهة دربندخان. كان القصف كثيفًا جدًا. من بين نحو 350 منزلًا و1500 نسمة، قُتل أكثر من 80 شخصًا

وفي اليوم التالي (23 آذار) تعرّضت قرية دوكان المجاورة أيضًا للقصف الكيميائي، واستمر النظام بعد ذلك في قصف منطقة قره‌داغ بشكل مكثف ومتواصل، أعقبه هجوم بري واحتلال كامل للمنطقة.

انقسم الفارّون إلى مجموعتين: الأولى اتجهت شمالًا نحو السليمانية ونجت رغم فقدان الممتلكات، بينما الثانية توجهت جنوبًا نحو گرميان حيث اعتُقل معظمهم واختفوا قسرًا.

ووفقًا لتقرير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، بلغ عدد الضحايا الموثقين 66 شخصًا تتراوح أعمارهم بين عام واحد و59 عامًا، من قرى قره‌داغ، معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، قُتلوا خلال القصف الكيميائي في 28–29 آذار 1988.

أُحكم الحصار على قره‌داغ بالكامل، ففرّ بعض الأهالي نحو جبل گەڵەزەرد ومنه إلى السليمانية، فيما خُدع آخرون بوعود ضباط الجيش بأنهم سينقلونهم إلى «معسكرات آمنة». لكنهم أُركبوا في شاحنات وحافلات عسكرية ونُقلوا إلى معسكر توبزاوه قرب كركوك حيث أُعدموا أو دُفنوا في مقابر جماعية. أما الباقون فواصلوا طريقهم نحو سەنگاو وگرميان، ولقي كثير منهم حتفهم في الطريق بسبب التعب والمرض.

في 1 نيسان 1988، أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية بيانًا عسكريًا رقم 3109 أعلنت فيه «تطهير منطقة قره‌داغ من الخونة» وتدمير قواعد البيشمركة في تكي، بەلەجوار، ميولي، باني مورد، چرچە قلعة، هۆمەرقەلا، بەلەكان، دبەند فەقيرە، قره‌داغ، أوقلا، جافەران، بوخشين، سێوسێنان، زەردە، كلوش، بيركێ، كلو جومعة، بەخشێ، دربند باسرة، سرگرمة، قوبي قره‌داغ، وأچداخ.

كما كشفت وثائق لاحقة أنّ الفرقة الثانية مشاة (خالد بن الوليد) أصدرت في 15 نيسان 1988 أمرًا سريًا رقم 169 يقضي بتأمين ثماني مروحيات وعشرين مركبة نقل لنقل اللواء 39 من پيرەمەگرون إلى قره‌داغ، مع تأمين تغطية جوية.

وفي 21 نيسان 1988، أرسلت وزارة الدفاع (مديرية الأمن العسكري) كتابًا رقم 48 يؤكد العملية ويطلب تشكيل لجنة أمنية خاصة لإتمامها خلال 20 ساعة، ما يبرهن على التنسيق المنهجي والتخطيط المنظم في تنفيذ عمليات الإبادة الجماعية.

استنادًا إلى وثيقة أخرى صادرة عن الفرقة / الفيلق الأول بقيادة سلطان هاشم وموجَّهة إلى القيادة العامة للقوات المسلحة، بوصفها رسالة سرّية ومستعجلة برقم 142 بتاريخ 20/4/1988، جاء فيها ما يلي:

«خلال عملية تطهير منطقة قره‌داغ تم اعتقال (2500) ألفين وخمسمئة من التێكدەر و البەكرێگراو (المخرّبين والمأجورين المزعومين، رجالاً ونساءً)، إضافةً إلى الاستيلاء على كمية من الأسلحة والذخائر في منطقة قوبي قره‌داغ على النحو الآتي:

  1. 10 رشاشات دوشكا عيار 12.7 ملم مع 200 وحدة من الذخيرة.
  2. 200 بندقية كلاشينكوف.
  3. 1000 وحدة من “رومانە” (وحدات ذخيرة).

تم وضع المعتقلين والأسلحة والذخائر المضبوطة في مقر الفيلق، ونحن بانتظار توجيهاتكم بهذا الخصوص. انتهى.»

وفي الرد، أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة كتابًا برقم 2/م خ بتاريخ 23/4/1988 موجَّهًا إلى قيادة الفيلق الأول، جاء فيه:

«إشارةً إلى كتابكم السرّي والمستعجل رقم 142 في 20/4/1988 بشأن التێكدەر و البەكرێگراو الذين يبلغ عددهم (2500) ألفين وخمسمئة شخص، يتم توزيعهم على النحو التالي:

الرجال يُرسلون إلى قيادة الفيلق الرابع.
النساء يُرسلن إلى قيادة الفيلق الثالث.
الأطفال يُنقلون إلى معسكر زرپیۆش العسكري في تكريت.

يتم نقلهم جميعًا مع مندوبنا وبواسطة سيارات خاصة. انتهى.»

تُعدّ هذه الوثائق من أوضح الأدلة على الطبيعة المنهجيّة لعمليات الاعتقال والفصل والاختفاء القسري للمدنيين الكرد — رجالاً ونساءً وأطفالاً — في إطار الإبادة الجماعية لأنفال.


المصادر

  1. وثائق النظام البعثي المنهار.
  2. MEW، كتاب الإبادة الجماعية في العراق وحملة أنفال ضد كردستان.
  3. وثائق المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني.
  4. المتابعة الميدانية والبحث (بدوداچوون ولێکۆلینەوە).
  5. المجلات والصحف الصادرة في عهد البعث.

* ملاحظة حول سلطان هاشم:
الفريق الركن سلطان هاشم أحمد محمد الطائي خدم في الفرقة الرابعة قائدًا للواء الخامس مشاة، ثم قائدًا للفرقة الرابعة، ثم قائدًا للفيلق الخامس، ولاحقًا قائدًا للفيلق الأول خلال حرب إيران–العراق (1980–1988)، وكان من أبرز القادة العسكريين المسؤولين عن عمليات أنفال.

تنويه بشأن المصطلحات:
المصطلحات التي استعملها النظام البعثي في وثائقه — مثل «بەكرێگیرا» (المأجور/المرتزق)، «تێكدر» (المخرّب)، «مجرم» وغيرها من الألفاظ المهينة — كانت تُطلق على كل كردي (باستثناء «الجحوش»)، سواء كان بيشمركة أو مدنيًا. في هذا النص نورد هذه الألفاظ كما وردت في الوثائق الأصلية بهدف حفظ الأمانة التاريخية وكشف اللغة اللاإنسانية التي استخدمها النظام كجزء من سياساته في الإبادة الجماعية.

Leave feedback about this

  • Rating

PROS

+
Add Field

CONS

+
Add Field
Choose Image
Choose Video