إبادة پشدر – 1989
تدمیر المدینة والتهجیر القسري لسکان قضاء پشدەر
یُعَدُّ قضاء پشدەر من المناطق التابعة إدارياً لمنطقة رابرين في محافظة السليمانية، ضمن إقليم كردستان العراق. مركزه الإداري هو مدينة قەڵادزە، ويتألف من ست نواحٍ إدارية.
بعد جينوسايد الأنفال والهجمات الكيميائية، واصلت الدولة العراقية في عهد نظام البعث سياستها الممنهجة لتدمير كردستان وإبادة شعبها. إذا تأملنا الأحداث التي تلت انتهاء الحرب الإيرانية العراقية (في 8 آب/أغسطس 1988) وإعلان ما يُسمى بالعفو العام في 6 أيلول/سبتمبر 1988، يتبين أن الدولة العراقية برئاسة صدام حسين لم تلتزم بذلك، بل استمرت في ارتكاب الجرائم.
بدأت جينوسايد قضاء پشدەر في 20 حزيران/يونيو 1989، كمرحلة خامسة من حملة التهجير القسري. انطلقت العملية من ناحية سەنگەسەر وامتدت إلى جميع المدن والقرى التابعة للقضاء، حيث تم إخلاء السكان قسراً وتوزيعهم على 17 مخيماً كبيراً. بعد الإخلاء، استخدمت القوات العراقية متفجرات TNT لتدمير عدد كبير من المنازل والمدارس والمساجد، وأُعلنت المنطقة “منطقة محظورة”. أي محاولة للعودة كانت تؤدي إلى الاعتقال أو الاختفاء القسري.
نُقل سكان قەڵادزە وجميع قضاء پشدەر إلى المخيمات الواقعة في غرب أربيل (مثل مخيم خەبات) وغرب السليمانية (مثل مخيمات بازيا١ن). كان ممنوعاً تماماً على المدنيين العودة إلى المنطقة، ومن يحاول ذلك يتعرض للاعتقال أو الاختفاء.
وفقاً لوثيقة سرية مؤرخة في 11 آذار/مارس 1989، عُقد اجتماع في مكتب تنظيم الشمال لحزب البعث بحضور المحافظين، والقادة العسكريين، ومسؤولي الأمن والمخابرات. وفي اليوم التالي، تم إرسال محضر الاجتماع إلى مديرية الاستخبارات العسكرية. نصّ البند الرابع على نقل سكان قضاء پشدەر بالكامل، بما في ذلك ناحية سەنگەسەر والمناطق المحيطة، إلى مخيمات محددة.
أثار خبر تهجير قەڵادزە قسرياً ردود فعل عالمية، حيث تداولته وسائل الإعلام في فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإسرائيل، وغيرها من الدول. كما كثفت المؤسسات والجاليات الكردية في الخارج الضغط على الحكومة العراقية عبر المحافل الدولية. أصبحت قضية پشدەر محل اهتمام دولي، وتعرض ممثلو الحكومة العراقية في الخارج إلى الإدانة والحرج. كما سعت الأحزاب الكردية لتوعية العالم بخطر نظام البعث.
رغم كل هذه الجهود، واصل النظام البعثي خطته. ففي 15 و16 نيسان/أبريل 1989، أُبلغ سكان مخيمي توەسوران وپەملەكي عبر الدوائر الحكومية بأنه سيتم نقلهم إلى مخيمات أخرى ضمن محافظتي أربيل والسليمانية. وفي بداية حزيران/يونيو، تم نقل سكان توەسوران وپەملەكي، بالإضافة إلى سكان سەنگەسەر والقرى المجاورة، إلى مخيمات خەبات، جدیدە، بەحەركە، دارەتوو، وبازيان ١، بازيان ٢، وبايەنجان.
وفي المرحلة الأخيرة، بتاريخ 26 حزيران/يونيو 1989، تم تهجير قەڵادزە والقرى المجاورة إلى المخيمات الواقعة على الحدود بين أربيل والسليمانية. استمرت عمليات الإخلاء والتدمير. قال شاهد عيان: “رأيت بعيني في 13 حزيران/يونيو 1990، عندما سلّمنا أنفسنا كجنود فارّين، كان العدو يراقبنا. كانت المنطقة محرّمة، ولا يُسمح لأي مدني بدخولها. في المساء أخذونا إلى هناك. كانت الأرض محروقة بالكامل، والنار مشتعلة، وبقايا القرية مدمّرة. أرادوا قتلنا، لأن الأسلاك الكهربائية كانت لا تزال تشتعل.”
وأضاف: “الشمعة الزرقاء الوحيدة كانت في منطقة سەنگەسەر، وكان الجنود يستخدمونها لجلب الماء. رأيت الباراك الثالث معلّقاً على غصن محترق، لكنني لم أتمكن من أخذه.”
كان التهجير القسري في پشدەر كارثياً بشكل خاص لأنه لم يكن هناك مبرر عسكري حينها. فالحرب العراقية الإيرانية كانت قد انتهت. بل حتى في الفترات السابقة، بين عامي 1974 و1977، وفي عام 1987، نفذ النظام عمليات تهجير بذريعة حماية الحدود، ونقل السكان إلى عمق 30 كيلومتراً داخل “المناطق المحظورة”.
كان الهدف من هذه السياسة هو حرمان السكان من حياتهم الثورية، واحتجازهم في مخيمات أشبه بالسجون، وحكمهم بالموت البطيء. شكّلت سياسة الأرض المحروقة هذه جزءاً من خطة منهجية استمرت حتى عام 1991. هدفها الأساسي كان محو الهوية الوطنية الكردية لصالح القومية العربية. من عهد الملكية وحتى حكم البعث، استمرت هذه السياسة، ولا تزال قائمة في بعض المناطق.
وفي الوقت الذي كان يتم فيه تدمير پشدەر وقەڵادزە بذريعة حماية الحدود، كانت تُعاد إعمار المدن العربية مثل البصرة والفاو. ورغم كل الجرائم—من الهجمات الكيميائية، وعمليات الأنفال، والتهجير، والتعريب—لم يتمكن النظام من كسر إرادة الشعب الكردي.
خلف التهجير القسري لقەڵادزە آثاراً عميقة، خاصة في منطقة پشدەر بأكملها، وأحدث ندوباً اجتماعية، واقتصادية، وثقافية، وسياسية، وزراعية لا تزال قائمة حتى اليوم.
الملف القضائي: جينوسايد پشدەر في المحكمة الجنائية العليا العراقية
تم تقديم ملف الجرائم التي ارتكبت في قضاء پشدەر وقەڵادزە، بما فيها القتل الجماعي والتهجير القسري للسكان والقرى المجاورة، إلى المحكمة الجنائية العليا العراقية. وفي 26 كانون الأول/ديسمبر 2013، وبعد مراجعة الأدلة والشهادات، أعلنت المحكمة رسمياً أن هذه الأحداث تُعد جينوسايد. ومع ذلك، وكما في العديد من الجرائم الأخرى، لم تتحقق العدالة الكاملة. فلم يُحاسب المسؤولون، ولم تُدفع تعويضات للناجين.
Leave feedback about this