المقدمة:
تُعدّ مجزرة درسيم واحدة من أفظع الجرائم التي ارتكبتها الدولة ضدّ الشعب الكردي في التاريخ الحديث، ووقعت ما بين 4 أيار/مايو 1937 و1 أيلول/سبتمبر 1938 خلال حكم مصطفى كمال أتاتورك. أسفرت هذه المجازر عن مقتل ما بين 50,000 إلى 70,000 من الأكراد الزازا العلويين، وتُعتبر من أحلك الصفحات في تاريخ كردستان.
1. الخلفية التاريخية:
تأسيس الجمهورية التركية (1923):
أُسِّست الجمهورية التركية عام 1923، واعتمدت سياسات مصطفى كمال أتاتورك على القومية التركية. تضمنت هذه السياسات قمع الهويات العرقية والدينية، واستهدفت خصوصًا الأكراد والعلويين.
ثورة الشيخ سعيد (1925):
قاد الشيخ سعيد پيران، وهو زعيم كردي من دياربكر، ثورة ضد سياسات أتاتورك. تم قمع الثورة بوحشية، وأُعدم الشيخ سعيد وعدد من أفراد أسرته علنًا في دياربكر.
قانون الإسكان (1934):
أقرّت الحكومة التركية قانونًا يهدف إلى “التطهير العرقي” وتتريك المناطق الكردية. شكّل هذا القانون الأساس القانوني لمجزرة درسيم وتهجير الأكراد قسرًا.
2. ثورة سيد رضا (1937–1938):
الزعيم:
قاد سيد رضا، وهو زعيم علوي كردي من الزازا، حركة مقاومة ضدّ سياسات التتريك والتهجير القسري.
أسباب الثورة:
- الاعتراض على قانون الإسكان لعام 1934
- مقاومة التهجير القسري للسكان الأكراد
- رفض تدمير الأماكن المقدسة والمراكز الثقافية العلوية
تم اعتقال سيد رضا وأفراد من عائلته وإعدامهم لاحقًا. وأصبحت عملية إعدامه نقطة تحول ورمزًا لبداية المجازر الجماعية ضد سكان درسيم.
3. العمليات العسكرية:
القصف الجوي:
نفذت صبيحة كوكجن، الابنة بالتبني لأتاتورك وأول طيّارة حربية في تركيا، غارات جوية مكثفة على مناطق الزازا العلويين في درسيم. أسفرت هذه الغارات عن تدمير قرى بأكملها وقتل الآلاف من المدنيين.
الهجمات البرية:
دفعت القوات التركية المدنيين إلى الكهوف والملاجئ، ثم استخدمت الغازات السامة لقتلهم جماعيًا. تشير الشهادات إلى مقتل الآلاف خنقًا داخل الكهوف.
أقرّ إحسان صبري تشاغلايانغيل، وهو ضابط تركي، في تسجيل صوتي باستخدام الجيش غازات سامة شبيهة بالأسلحة الكيميائية.
4. العنف ضد النساء والأطفال:
العنف الجنسي والإعدامات:
روت شهادات الناجين تعرّض عدد كبير من النساء والفتيات للاغتصاب، ومن قاومن تعرّضن للتعذيب والإعدام.
الخطف والدمج القسري:
تم اختطاف عدد كبير من الأطفال الكرد ونقلهم إلى عائلات تركية لتتريكهم. كما استُخدمت العديد من الفتيات الناجيات كخادمات في البيوت التركية، وأُجبرن على تغيير أسمائهن وهوياتهن ولغتهن ودينهن.
5. تغيير الاسم ومحو الهوية الثقافية:
تغيير اسم “درسيم” إلى “تونجلي”:
بعد قمع الثورة، غيّرت الدولة التركية الاسم الرسمي لدرسيم إلى “تونجلي” بهدف طمس الهوية الكردية والعلوية للمنطقة.
تدمير التراث الثقافي:
دُمرت المعابد والمزارات العلوية والمعالم الثقافية الكردية، كما مُنعت اللغة الكردية وفرضت اللغة التركية كلغة رسمية.
6. الإحصاءات والأرقام:
عدد الضحايا:
- المصادر الكردية: 50,000 – 70,000
عدد المُهجّرين:
أُجبر أكثر من 700,000 شخص على الانتقال قسرًا إلى مدن مثل مانيسا، دنيزلي، إسكي شهر وباليكسير. توفي كثيرون منهم خلال الطريق أو في مخيمات التوطين.
7. الوثائق والأرشيف:
الوثائق السرية:
تتضمن الأرشيفات التركية وثائق سرية تتعلق بالأوامر التي أُصدرت في 4 أيار/مايو 1937، ولكنها لا تزال غير متاحة للعلن.
الشهادات والاعترافات:
اعترف إحسان صبري تشاغلايانغيل باستخدام غازات سامة ضد المدنيين، وذكر كيف تم دفن الرجال والنساء والأطفال في مقابر جماعية.
8. ردود الفعل الدولية:
اعتذار أردوغان (2011):
في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، قدم رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان اعتذارًا رسميًا، ووصف مجزرة درسيم بأنها من أظلم صفحات التاريخ الحديث لتركيا.
ومع ذلك، رفض أردوغان طلبات المجتمع العلوي بإنشاء دور عبادة (جمعيات جم) واستعادة اسم “درسيم”. لم تُقدَّم أي تعويضات مالية لعائلات الضحايا، واعتُبر الاعتذار خطوة سياسية لا تعكس نية حقيقية لتحقيق العدالة.
9. إحياء الذكرى السنوية:
في كل عام بتاريخ 4 أيار/مايو، يتجمع أهالي درسيم في كهف “قامر” لإحياء ذكرى الضحايا.
العدالة المؤجلة:
رغم مرور 88 عامًا، لا يزال العديد من الناجين يطالبون بكشف مصير أحبّائهم والاعتراف الكامل بالحقائق وتحقيق العدالة.
10. الخاتمة:
تُعدّ مجزرة درسيم من الفصول المأساوية غير المغلقة في تاريخ الشعب الكردي. ورغم الاعتذار الرسمي، لم تتحمل الدولة التركية مسؤولياتها الكاملة ولم تعترف بوقوع إبادة جماعية.
✅ المصادر:
- منظمة هيومن رايتس ووتش:
“State of Denial: Turkey’s Efforts to Conceal the Dersim Massacre” - أرشيف الأمم المتحدة:
تقارير عن الانتهاكات بحق الأقليات العرقية والدينية في تركيا. - الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية (IAGS):
“Dersim 1937-1938: A Forgotten Genocide” - مجلة دراسات الإبادة الجماعية – Genocide Studies Journal:
إصدار خاص عام 2018 بعنوان: “مجزرة درسيم والتطهير العرقي في تركيا” - منظمة العفو الدولية – Amnesty International:
“Turkey: Forgotten Voices – The Survivors of Dersim Speak”
Leave feedback about this