جرائم

جريمة مجزرة کهف دكان – 1969

جريمة مجزرة کهف دكان – 1969

كانت دكان قرية صغيرة لافتة للانتباه قرب نهر خازر عند سفح جبل خيري في منطقة الشيخان، وكان عدد سكان القرية حوالي 20 إلى 30 عائلة يعملون بالزراعة. في كهف دكان الواقع في شمال شرق قضاء الشيخان، تحوّل المكان في يومي 18–19 آب 1969 ارتكبت مجزرة سوداء بحق أهالي قرية دكان على يد جيش دولة العراق في زمن حزب البعث. كان معظم سكان القرية من النساء والأطفال، وللنجاة من هجمات الجيش البعثي الوحشية لجأوا إلى الكهف حيث أُحرقوا أحياء. وبحسب روايات الشهود وذوي الضحايا والمتابعات، استشهد 77 شخصاً، ستة منهم نساء حوامل، وأصيب تسعة آخرون بحروق بالغة ونجوا.

الدولة العراقية، بعد أن استولى البعثيون على السلطة بين 17 و30 تموز 1968 عبر انقلاب عسكري، بدأت مثل الحكومات السابقة بمحاولة تثبيت أركان حكمها من خلال المفاوضات والوعود بحل القضية الكردية، ولكن سرعان ما نكثت وعودها، وكما في الماضي، عادت إلى التنصل من تنفيذ مطالب الكرد وحلها سلمياً. فشنّ الجيش العراقي هجماته على القرى والمدن الكردستانية، وعلى مواقع البيشمركة. وكانت من بين هذه المناطق (عقرة – الشيخان) التي تعرضت لهجوم الجيش البعثي والمسلحين المرتزقة (الجحوش)، ووقعت فيها جريمة ومجزرة كبيرة هي مجزرة كهف دكان.

تفاصيل المجزرة

بحسب شهادات من عاصروا الحدث، ففي يومي 18–19 آب 1969 عند الساعة الرابعة مساءً، أقدم الجيش البعثي على قتل المدنيين العُزّل داخل كهف دكان، وذلك بعدما كان الأهالي، غير المسلحين والعاجزين عن الدفاع عن أنفسهم، قد لجأوا إلى الكهف. أحد الشهود قال: إن العدو قصف القرية طوال الليل حتى الصباح بالمدفعية، ثم جاءت الطائرات — وقد أحصيت 14 طائرة، كانت تأتي اثنتين اثنتين، وتلقي قنابلها — فكان من جهة القصف بالطائرات، ومن الجهة الأخرى المدفعية. لذلك لجأ الناس إلى الكهف لحماية أنفسهم من الهجوم العسكري. وعندما عرف الجيش البعثي من خلال الجحوش أن المدنيين في الكهف، قام بعمل وحشي لا إنساني، فأضرم النار عند مدخل الكهف، فاحترق من في داخله. عدد الضحايا بحسب اختلاف الروايات تراوح بين 70 و80 شخصاً. من بين الضحايا 29 امرأة، 6 نساء حوامل، 37 طفلاً (منهم 7 رُضّع تحت عمر السنة)، والبقية رجال مسنون وضعفاء. أعمار الضحايا تراوحت من رضيع في حضن أمه حتى 80 سنة. كما أن 9 أشخاص أصيبوا بحروق شديدة ونجوا، وقد تلقوا العلاج سراً في عقرة في منازل أقاربهم، إذ لم يكن ممكناً نقلهم إلى المستشفى خشية اعتقالهم. وروى أحد الناجين: قال لنا طبيب في مستشفى عقرة عبر أحد أقاربنا: لا تجلبوهم إلى المستشفى، قد نُعْتَقَل جميعاً، فأرسلوا لهم العلاج إلى البيت. وأضاف: من أصل 7 أشخاص من عائلتنا، كنت الوحيد الذي نجا.

ما بعد المجزرة

بعد مرور 16 يوماً على المجزرة، وصل البيشمركة إلى كهف دكان، فرأوا مشهداً مروّعاً. لم يستطع أحد أن يقترب من الكهف بسبب وجود الجثث المتفحمة وظروف المنطقة. على بُعد كيلومترين من مقبرة قرية دكان، قرر البيشمركة بالتعاون مع ذوي الضحايا دفنهم في 4 مقابر جماعية طويلة بعمق نصف متر تقريباً؛ بسبب صعوبة حفر الصخور. جُمعت عظام وبقايا الضحايا مع ملابسهم وأغراضهم داخل أغطية كبيرة، ودُفنوا في تلك القبور. البيشمركة المخضرم حاجي ميرخان دولمري قال: «كان دفنهم بهذه الطريقة قراراً صعباً، ولكن اضطررنا لذلك بالتشاور مع عائلاتهم. وقعت عيناي على جمجمة طفل صغير، وعددت بنفسي جمجمة 7 رُضّع تحت عمر السنة.» وأضاف: كان عدد الضحايا نحو 80 شخصاً.

توزع الشهداء كما يلي 14 شهيداً من عائلة محمود سليم دكاني، 22 شهيداً من عائلة رسول دكاني، 7 شهداء من عائلة درويش سبتي بارزاني، 15 شهيداً من عائلة رمضان دكاني، و13 شهيداً آخرين من عائلات أخرى، مع 6 رُضّع في أحضان أمهاتهم.

وحتى الآن بقيت عظام وبقايا الضحايا تحت الأشجار والصخور أمام كهف دكان في نفس المقابر الجماعية الأربعة. أقارب الضحايا لا ينسون أبداً صور الفاجعة بعد حرق أحبائهم، وخاصة صورة الأم مع طفلها الرضيع المحترقين معاً، مثلما عُثر على أم وطفلها في مقبرة جماعية في منطقة الحضر في الموصل، حيث كانت الأم قد ضمّت طفلها لتحميه فاحترقا معاً.

بحسب شهادة حالي، أحد أهالي القرى القريبة من كهف دكان، قال: «بعد المجزرة، بسبب ظروف ذلك الوقت وبسبب وحشية الجيش البعثي، لم نتمكن من نقل جثث الضحايا إلى مكان آخر، فدفنا عظامهم وبقاياهم أمام الكهف تحت الصخور والأشجار. وهي حتى الآن هناك.» وأضاف: «حاول عدد من الأشخاص، بينهم 3 نساء ورجل مسن، إنقاذ أنفسهم، وخرجوا بأجساد نصف محترقة يبحثون عن الماء، لكن بسبب الألم والجروح والضعف اختنقوا وفارقوا الحياة. وبقيت جثثهم فترة طويلة حتى أكلتها الحيوانات.»

ملف مجزرة كهف دكان أمام المحكمة الجنائية العليا في العراق

قُدم ملف مجزرة كهف دكان إلى المحكمة الجنائية العليا في العراق كأحد الملفات، ولكن بسبب ضعف المتابعة وتقليص نطاق صلاحيات المحكمة، لم يُبتّ فيه حتى الآن، ولم يصدر حكم نهائي، شأنه شأن 14 ملفاً آخر لا تزال العدالة في شأنها مؤجلة.

.

Leave feedback about this

  • Rating

PROS

+
Add Field

CONS

+
Add Field
Choose Image
Choose Video