قصف سردشت الكيميائي – ١٩٨٧
في مساء يوم ٢٨ حزيران ١٩٨٧، استهدفت طائرات النظام البعثي العراقي الحربية مدينة سردشت الحدودية وقرية “رشههرمه” المجاورة بأسلحة كيميائية محرمة دولياً تحتوي على غاز الخردل. وكان ذلك من أوائل الهجمات التي تعرضت فيها مدينة مدنية في إيران لهجوم كيميائي أثناء الحرب العراقية–الإيرانية. وقبل ذلك، تعرضت عشر قرى مدنية في كردستان العراق، مثل شيخ وسان وباليسان في محافظات هولير وسليمانية ودهوك، لهجمات مماثلة من قبل النظام، مما أسفر عن مقتل المئات من المدنيين الأبرياء.
الخسائر البشرية والتداعيات المستمرة
في الساعات الأولى من الهجوم، قُتل ١٠ أشخاص وأُصيب أكثر من ٦٥٠ بجروح بالغة. وتعرض أكثر من ٨٠٠٠ من سكان المنطقة لغاز الخردل السام. ووصل عدد الضحايا في النهاية إلى ١٣٠ شخصاً، من بينهم ١٠٩ مدنيين و٢١ عسكرياً. من بين الضحايا ٣٩ شخصاً دون سن ١٨ عاماً، بينهم ١١ طفلاً دون سن الخامسة، إضافة إلى ٣٤ امرأة وفتاة.
تسبب غاز الخردل في حروق شديدة للجلد والجهاز التنفسي والعينين، مع مضاعفات طويلة الأمد مثل اضطرابات في الجهاز المناعي، وأمراض تنفسية مزمنة، ومشاكل في الإنجاب. العديد من الناجين لا يزالون يعانون حتى اليوم من مشكلات صحية مزمنة لم تُعالج.
المساعي القضائية والعقبات
في عام ٢٠٠٤، اعتبرت المحكمة العامة في طهران النظام البعثي العراقي مسؤولاً عن هجوم سردشت، ووجهت أيضاً الاتهام للولايات المتحدة بدعمها العسكري والتقني. وحكمت المحكمة بتعويض قدره ٦٠٠ مليون دولار، وصدر الحكم رسمياً عبر السفارة السويسرية في طهران، بصفتها راعية للمصالح الأمريكية.
وبعد سقوط النظام البعثي وتأسيس المحكمة الجنائية العليا العراقية، قدم الناجون من سردشت ملفهم إلى المحكمة. لكنها رفضت الملف بحجة أنه “خارج أراضي العراق وخارج نطاق اختصاصها”.
وعلى المستوى الدولي، ذُكر هجوم سردشت في محكمة هولندا خلال محاكمة فرانس فان أنرات، التاجر الهولندي الذي زود العراق بمكونات الأسلحة الكيميائية. وفي ١ كانون الثاني ٢٠٠٥، أدلى أحد الناجين، قادر مولانبور (المعروف ب مام قادر) بشهادته المؤثرة، حيث فقد جميع أفراد أسرته في الهجوم، وكانت قصته مصدر إلهام لفيلم دەرگوزا عام ٢٠٢٠.
العدالة الغائبة، والألم المستمر
حتى الآن، تم تسجيل حوالي ١٥٠٠ من الناجين فقط كضحايا كيميائيين بشكل رسمي، على الرغم من تقديرات تشير إلى إصابة حوالي ٨٠٠٠ شخص. وقد كُشف عن تقارير فساد وسوء تنظيم في عملية التسجيل. وعلى الرغم من إقامة الذكرى السنوية وإعلان الحداد الرمزي، فإن العدالة القانونية الحقيقية لم تتحقق بعد.
الخلاصة
إن قصف سردشت الكيميائي جريمة خطيرة ضد الإنسانية، لا تزال بلا محاسبة على المستويين الوطني والدولي. لم تتمكن المحاكم والمنظمات الحقوقية والدول حتى الآن من إنصاف ذوي الضحايا. وتشكل هذه الجريمة اختباراً أخلاقياً حاداً لضمير العالم في مواجهة بشاعة النظام البعثي العراقي واستخدامه للأسلحة الكيميائية.
منابع
[1]: أرشيف الإبادة الجماعية في كوردستان – KGNA (https://kgna.krd/ku/12644)
[2]: مركز بحوث مصابي الهجوم الكيميائي في سردشت – جامعة أرومية للعلوم الطبية
[3]: تقرير منظمة الصحة العالمية حول آثار غاز الخردل طويلة الأمد، 2009
[4]: حكم المحكمة العامة في طهران، منشور في Payvand News Archive، عام 2004
[5]: المحكمة الجنائية العليا في العراق – القانون رقم 10 لسنة 2005
[6]: محكمة فرانس فان أنرات – هولندا – جلسة الاستماع 1 كانون الأول 2005
[7]: تقرير مؤسسة الشهداء ومركز البحوث البرلمانية الإيراني، 2020
Leave feedback about this